أول شهيد في الإمارات: سيرة نضال وفداء من أجل الوطن

تاريخ الشعوب لا يُكتب فقط بالإنجازات الاقتصادية والسياسية، بل يُنقش أيضاً بدماء الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم دفاعاً عن كرامة الوطن وسيادته. في دولة الإمارات العربية المتحدة، ارتبطت مسيرة البناء والتطور منذ نشأتها بتضحيات أبنائها المخلصين، وكان أول شهيد إماراتي، الشرطي سالم سهيل خميس بن كليب، مثالاً راسخاً على روح الفداء والوطنية المتجذرة في نفوس أبناء الإمارات. هذا الاسم أصبح رمزاً وطنياً خالداً لا يتوقف عند لحظة استشهاد، بل يمتد ليجسد معاني الولاء والانتماء والتضحية في سبيل حماية تراب الوطن.

الخلفية التاريخية والسياسية

شهدت منطقة الخليج في النصف الثاني من القرن العشرين تحولات عميقة على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكان للإمارات العربية المتحدة موقع محوري في هذه التغيرات. فعشية إعلان الاتحاد في 2 ديسمبر 1971، كانت الإمارات السبع تتأهب لمرحلة جديدة من تاريخها، لكن هذا الإعلان لم يخلُ من التحديات، لاسيما مع بروز أطماع إقليمية في أراضي إماراتية، مثل جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.

في هذا السياق السياسي الحساس، برز اسم الشهيد سالم سهيل خميس بن كليب، الذي واجه الاحتلال الإيراني لجزيرة طنب الكبرى في 30 نوفمبر 1971، وهو اليوم الذي أصبح لاحقاً يُعرف في الدولة بـ”يوم الشهيد”، تكريماً لهذا البطل وتخليداً لذكرى تضحياته.

من هو الشهيد سالم سهيل خميس؟

ولد سالم سهيل خميس في إمارة رأس الخيمة عام 1950، ونشأ في كنف أسرة متواضعة حملت القيم الأصيلة لأبناء الإمارات من كرم وشجاعة وولاء للوطن. التحق الشاب سالم بقوة شرطة رأس الخيمة، وكان يخدم في مركز الشرطة التابع لجزيرة طنب الكبرى، التي كانت تحت السيادة الفعلية لإمارة رأس الخيمة حتى عام 1971.

كان سالم يتحلى بالانضباط والشجاعة منذ نعومة أظافره، وقد عرف عنه التزامه الوظيفي وتفانيه في أداء مهامه الأمنية. لذلك، لم يكن غريباً أن يقف مدافعاً بشراسة عن الجزيرة التي كان يحميها، على الرغم من إدراكه الكامل لعدم تكافؤ القوة بينه وبين القوات الإيرانية الغازية.

تفاصيل استشهاده

في صباح يوم 30 نوفمبر 1971، أي قبل يومين فقط من إعلان اتحاد دولة الإمارات، أقدمت القوات الإيرانية على غزو جزيرة طنب الكبرى باستخدام زوارق عسكرية ومروحيات هجومية. كانت الخطة الإيرانية تهدف إلى فرض سيطرة سريعة على الجزيرة ضمن سياسة فرض الأمر الواقع، مستغلة ظرف المرحلة الانتقالية التي كانت تمر بها الإمارات عشية إعلان الاتحاد.

في ذلك الصباح، كان الشرطي سالم سهيل يؤدي مهامه في مركز شرطة الجزيرة. ومع بداية الهجوم، أبى الشهيد أن يسلم الجزيرة أو يرفع الراية البيضاء، وواجه القوات المهاجمة ببسالة، مستخدماً سلاحه الشخصي دفاعاً عن السيادة الإماراتية. ورغم أن القوات الإيرانية كانت مدججة بالسلاح وتفوقه عدداً وعدة، إلا أن الشهيد أطلق النار عليهم، ما أدى إلى وقوع إصابات في صفوف المهاجمين.

بعد مقاومة بطولية، تمكنت القوات الإيرانية من السيطرة على الموقع، واستُشهد الشرطي سالم سهيل على أرض الجزيرة، رافعاً بذلك راية العزة والفخر في وجه الغزو، ومسجلاً أول صفحة من صفحات البطولة في تاريخ دولة الإمارات.

الأبعاد الرمزية والوطنية لاستشهاد سالم سهيل

استشهاد سالم سهيل لم يكن مجرد حادثة عابرة، بل شكل رمزاً وطنياً بالغ الأهمية في الوعي الجماعي الإماراتي. فهو يمثل أول دم طاهر سال من أجل الكيان الاتحادي المرتقب، مما أكسبه مكانة فريدة في ضمير الشعب والدولة.

وقد ارتأت القيادة الإماراتية لاحقاً تخليد هذا الحدث بإعلان يوم 30 نوفمبر من كل عام “يوم الشهيد”، وذلك في عام 2015 بموجب مرسوم صادر عن رئيس الدولة آنذاك الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رحمه الله. ومنذ ذلك الحين، يُخصص هذا اليوم للاحتفاء بتضحيات الشهداء الإماراتيين الذين سقطوا دفاعاً عن الوطن داخل الدولة وخارجها، في ميادين الشرف والمهمات الإنسانية والعسكرية المختلفة.

تكريم الدولة للشهيد

لم تغفل القيادة الإماراتية عن مكانة الشهيد سالم سهيل في مسارها الوطني، فتم تكريمه بطرق متعددة، منها:

• إطلاق اسمه على عدد من المدارس والمنشآت العامة في الدولة، لتعزيز قيم الوطنية والانتماء لدى الأجيال الجديدة.

• إدراجه ضمن المناهج الدراسية كمثال حي على البطولة والتضحية.

• إقامة النصب التذكارية باسمه تخليداً لذكراه.

• إصدار مواد مرئية ووثائقية تحكي سيرته وتُعرّف الأجيال الصاعدة بقصته.

قراءة في السياق القانوني والسيادي

تعتبر حادثة استشهاد سالم سهيل بن كليب أيضاً حدثاً مهماً من الناحية القانونية والسيادية. فقد شكلت عملية الاحتلال الإيراني لجزر الإمارات الثلاث – طنب الكبرى، طنب الصغرى، وأبو موسى – خرقاً واضحاً للقانون الدولي ومبادئ حسن الجوار. كما مثّل الاستشهاد موقفاً إماراتياً صريحاً في رفض هذا الاحتلال، وهو ما لا تزال الدولة تكرره حتى اليوم في جميع المحافل الدولية، مطالبةً إيران بإنهاء احتلالها لتلك الجزر أو اللجوء إلى التحكيم الدولي.

استشهاد سالم سهيل، إذن، لم يكن مجرد عمل فردي، بل كان إعلاناً سيادياً من الإماراتيين الأوائل أن هذه الأرض ليست للمساومة، وأن أبناءها على استعداد للدفاع عنها بالغالي والنفيس.

أثر استشهاد سالم سهيل في الثقافة الوطنية الإماراتية

أثر استشهاد الشهيد سالم سهيل في الوجدان الوطني الإماراتي لا يُقاس فقط من حيث التخليد الرسمي، بل يتجلى أيضاً في الحضور الواسع لقصة حياته وتضحياته في الأدب والثقافة والإعلام الإماراتي. فقد تناولت الصحف المحلية، والمجلات الوطنية، والمؤسسات التربوية والفعاليات الرسمية، قصة الشهيد بأساليب متعددة، تتراوح بين المقالات الوثائقية، والأفلام القصيرة، واللوحات التعبيرية، والفعاليات التربوية.

كما أصبح استشهاده مصدر إلهام للمبدعين في مجالات الشعر والنثر والرسم، حيث تُرجم موقفه البطولي إلى قصائد وأناشيد وطنية خالدة، منها ما يُنشد سنوياً في احتفالات يوم الشهيد واليوم الوطني.

دور أسر الشهداء في بناء القيم الوطنية

لم تكن تضحيات الشهيد سالم سهيل بمعزل عن السياق الاجتماعي الذي نشأ فيه. فقد نشأ في أسرة إماراتية متماسكة تحمل في طياتها القيم التقليدية الراسخة مثل الشجاعة، الكرم، الفداء، والولاء للقيادة. وقد كان لأسرته دور كبير في ترسيخ تلك القيم لدى أفراد المجتمع بعد استشهاده، من خلال مشاركتها الفعالة في المناسبات الوطنية، ومواقفها المشرفة في الإعلام، ما ساهم في تحويل استشهاد سالم إلى قصة وطنية محفورة في وجدان كل إماراتي.

الجدول الزمني لاستشهاد سالم سهيل خميس بن كليب

الخلاصة

شكل استشهاد الشرطي سالم سهيل خميس بن كليب نقطة مفصلية في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة. فهو أول شهيد سقط دفاعاً عن أرض إماراتية، قبل إعلان قيام الدولة بيومين فقط، ليجسد بذلك المعاني السامية للولاء والانتماء والتضحية. إن قصة هذا الشهيد ليست مجرد حادثة عسكرية أو واقعة أمنية، بل هي حجر أساس في بناء الذاكرة الوطنية الإماراتية، ومصدر دائم لإلهام الأجيال المقبلة لمواصلة مسيرة العطاء من أجل رفعة الوطن.

يبقى الشهيد سالم سهيل رمزاً للكرامة والسيادة، ودرساً خالداً في أن حب الوطن لا يُقاس بالكلمات، بل بالمواقف الصادقة والدماء الزكية التي تُروى بها الأرض.

المراجع

1. الأرشيف الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة

2. الموقع الرسمي لحكومة دولة الإمارات – يوم الشهيد (www.government.ae)